سورة الفرقان - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله تعالى: {ومن تاب} ظاهر هذه التوبة أنها عن الذنوب المذكورة. وقال ابن عباس: يعني: ممن لم يَقْتُل ولم يزن، {وعمل صالحاً} فانّي قد قدَّمتُهم وفضَّلتُهم على من قاتل نبيّي واستحلَّ محارمي.
قوله تعالى: {فانه يتوب إِلى الله مَتاباً} قال ابن الأنباري: معناه: من أراد التوبة وقصد حقيقتها، فينبغي له أن يُريد اللّهَ بها ولا يخلط بها ما يُفسدها؛ وهذا كما يقول الرجل: من تجر فانه يتّجر في البزّ، ومن ناظر فانه يناظر في النحو، أي: من أراد ذلك، فينبغي أن يقصد هذا الفن؛ قال: ويجوز أن يكون معنى هذه الآية: ومن تاب وعمل صالحاً. فان ثوابه وجزاءه يعظُمان له عند ربِّه، الذي أراد بتوبته، فلما كان قوله: {فانه يتوب إِلى الله متاباً} يؤدِّي عن هذا المعنى، كفى منه، وهذا كما يقول الرجل للرجل: إِذا تكلَّمتَ فاعلم أنك تكلِّم الوزير، أي: تكلِّم من يَعرف كلامك ويجازيك، ومثله قوله تعالى: {إِن كان كَبُر عليكم مَقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكَّلْتُ} [يونس: 71]، أي: فاني أتوكَّل على من ينصرني ولا يُسْلِمني. وقال قوم: معنى الآية: فانه يرجع إِلى الله مرجعاً يقبله منه.
قوله تعالى: {والذين لا يَشْهَدون الزُّور} فيه ثمانية أقوال.
أحدها: أنه الصَّنم؛ روى الضحاك عن ابن عباس ان الزُّور صنم كان للمشركين.
والثاني: أنه الغِناء، قاله محمد بن الحنفية، ومكحول؛ وروى ليث عن مجاهد قال: لا يسمعون الغناء.
والثالث: الشِّرك، قاله الضحاك، وأبو مالك.
والرابع: لعب كان لهم في الجاهلية، قاله عكرمة.
والخامس: الكذب، قاله قتادة، وابن جريج.
والسادس: شهادة الزور، قاله عليّ بن أبي طلحة.
والسابع: أعياد المشركين، قاله الربيع بن أنس.
والثامن: مجالس الخنا، قاله عمرو بن قيس.
وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال.
أحدها: المعاصي، قاله الحسن.
والثاني: أذى المشركين إِياهم، قاله مجاهد.
والثالث: الباطل، قاله قتادة.
والرابع: الشِّرك، قاله الضحاك.
والخامس: إِذا ذكروا النكاح كنوا عنه، قاله مجاهد. وقال محمد بن علي: إِذا ذكروا الفروج كنوا عنها.
قوله تعالى: {مَرُّوا كِرَاماً} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: مَرُّوا حُلَماء، قاله ابن السائب.
والثاني: مَرُّوا مُعْرِضِين عنه، قاله مقاتل.
والثالث: أن المعنى: إِذا مَرُّوا باللغو جاوزوه، قاله الفراء.
قوله تعالى: {والذين إِذا ذُكّروا} أي: وُعِظوا {بآيات ربِّهم} وهي القرآن {لم يَخِرُّوا عليها صُمّاً وعُمْيَاناً} قال ابن قتيبة: لم يتغافلوا عنها كأنهم صُمٌّ لم يسمعوها، عميٌ لم يَرَوها. وقال غيره من أهل اللغة: لم يثبتوا على حالتهم الأولى كأنهم لم يسمعوا ولم يَرَوا، وإِن لم يكونوا خَرُّوا حقيقة؛ تقول العرب: شتمت فلاناً، فقام يبكي، وقعد يندب، وأقبل يعتذر، وظلَّ يتحيَّر، وإِن لم يكن قام ولا قعد.
قوله تعالى: {هَبْ لنا مِنْ أزواجنا وذُرِّيَّاتِنَا} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {وذُرِّيَّاتِنَا} على الجمع. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر، وحفص عن عاصم: {وذُرِّيَّتِنَا} على التوحيد، {قُرَّةَ أَعْيُنٍ} وقرأ ابن مسعود، وأبو حيوة: {قُرَّاتَ أَعْيُنٍ} يعنون: من يعمل بطاعتك فتقرّ به أعيننا في الدنيا والآخرة. وسئل الحسن عن قوله: {قُرَّةَ أعين} في الدنيا، أم في الآخرة؟ قال: لا، بل في الدنيا، وأيُّ شيء أقَرُّ لعين المؤمن من أن يرى زوجته وولده يُطيعون الله، والله ما طلب القوم إِلا أن يُطاع الله فتَقَرّ أعينهم. قال الفراء: إِنما قال: {قُرَّةَ} لأنها فعل، والفعل لا يكاد يُجمع، ألا ترى إِلى قوله: {وادعُوا ثُبُوراً كثيراً} [الفرقان: 44] فلم يجمعه؛ والقُرَّة مصدر، تقول: قَرَّت عينه قُرَّة، ولو قيل: قُرَّة عين أو قُرَّات أعين كان صواباً. وقال غيره: أصل القُرَّة من البَرْد، لأن العرب تتأذى بالحَرِّ، وتستروح إِلى البَرْد.
قوله تعالى: {واجْعَلْنا للمُتَّقِين إِماماً} فيه قولان:
أحدهما: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا، قاله ابن عباس. وقال غيره: هذا من الواحد الذي يراد به الجمع، كقوله: {إِنَّا رسولُ ربِّ العالَمِين} [الشعراء: 16]، وقوله: {فانَّهم عَدُوٌّ لي} [الشعراء: 77].
والثاني: اجعلنا مؤتمِّين بالمُتَّقِين مقتدين بهم، قاله مجاهد؛ فعلى هذا يكون الكلام من المقلوب، فيكون المعنى: واجعل المُتَّقِين لنا إِماماً.


قوله تعالى: {أولئك يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ} قال ابن عباس: يعني الجنة. وقال غيره: الغرفة: كل بناءٍ عالٍ مرتفع، والمراد غرف الجنة، وهي من الزَّبَرجد والدُّرّ والياقوت، {بما صَبَروا} على دينهم وعلى أذى المشركين.
قوله تعالى: {ويُلَقَّوْنَ فيها} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {ويُلَقَّوْنَ} بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {ويَلْقَوْنَ} بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف، {تحيَّةً وسلاماً} قال ابن عباس: يُحيِّي بعضُهم بعضاً بالسلام، ويرسل إِليهم الرَّبُّ عز وجل بالسلام. وقال مقاتل: {تحيةً} يعني السلام، {وسلاماً} أي سلَّم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم.
قوله تعالى: {قل ما يَعْبَأُ بكم ربِّي}
فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: ما يصنع بكم! قاله ابن عباس.
والثاني: أيّ وزن يكون لكم عنده؛ تقول: ما عبأتُ بفلان، أي: ما كان له عندي وزن ولا قَدْر، قاله الزجاج.
والثالث: ما يعبأ بعذابكم، قاله ابن قتيبة.
وفي قوله: {لولا دُعاؤكم} أربعة أقوال.
أحدها: لولا إِيمانكم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: لولا عبادتكم، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: لولا دعاؤه إِيّاكم لِتعبُدوه، قاله مجاهد؛ والمراد نفع الخَلْق، لأن الله تعالى غير محتاج.
والرابع: لولا توحيدكم، حكاه الزجاج. وعلى قول الأكثرين ليس في الآية إِضمار؛ وقال ابن قتيبة: فيها إِضمار تقديره: ما يعبأ بعذابكم لولا ما تَدْعونه من الشريك والولد، ويوضح ذلك قوله: {فسوف يكون لِزَاماً} يعني: العذاب، ومثله قول الشاعر:
مَنْ شَاءَ دَلَّى النَّفْسَ في هُوَّةٍ *** ضَنْكٍ ولكِنْ مَنْ لَهُ بالمَضِيقْ
أي: بالخروج من المضيق. وهل هذا خطاب للمؤمنين، أو للكفار؟ فيه قولان. فأما قوله تعالى: {فقد كذَّبْتُم} فهو خطاب لأهل مكة حين كذَّبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، {فسوف يكون} يعني: تكذيبكم {لزَاماً} أي: عذاباً لازماً لكم؛ وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه قتلهم يوم بدر، فقُتلوا يومئذ، واتصل بهم عذاب الآخرة لازماً لهم، وهذا مذهب ابن مسعود، وأُبيِّ بن كعب، ومجاهد في آخرين.
والثاني: أنه الموت، قاله ابن عباس.
والثالث: أن اللِّزام: القتال، قاله ابن زيد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7